دمشق.. رحلة عبر التاريخ في أقدم عاصمة مأهولة في العالم

Waleed13 فبراير 2025Last Update :
دمشق.. رحلة عبر التاريخ في أقدم عاصمة مأهولة في العالم

عندما تتجول في شوارع دمشق القديمة، تشعر وكأنك تسير بين صفحات كتاب تاريخي مفتوح، تروي لك كل زاوية منه قصة من آلاف السنين. فهذه المدينة، التي تعد أقدم عاصمة مأهولة في العالم، جمعت في أزقتها وأسواقها ومساجدها وكنائسها إرثًا حضاريًا نادرًا، جعلها شاهدة على تعاقب الحضارات منذ أكثر من 11 ألف عام.

المتحف الوطني.. بوابة التاريخ

لبدء رحلتك عبر الزمن، لا بد من زيارة المتحف الوطني في منطقة البرامكة، حيث تجد مختصرًا لتاريخ سوريا منذ ما قبل الميلاد. يضم المتحف 5 أجنحة تعرض آثارًا من العصور السومرية والآشورية واليونانية والرومانية، وصولًا إلى العصور الإسلامية. في أروقته، ستشاهد تماثيل رخامية، نقوشًا قديمة، عملات أثرية، وألواحًا مكتوبة بالخط المسماري، تمنحك نظرة فريدة على تطور الحضارات التي مرّت على هذه الأرض.

التكية السليمانية.. تحفة عثمانية خالدة

على بعد مسافة قصيرة من المتحف الوطني، ستجد نفسك أمام التكية السليمانية، أحد أروع المعالم العثمانية في دمشق. بتصميمها الهندسي الفريد، وقبابها المتراصة، ومآذنها الشامخة، تشكّل التكية لوحة معمارية آسرة. كانت التكية مقصدًا للحجاج العابرين، واليوم أصبحت من أهم الوجهات السياحية التي تروي قصة الفن الإسلامي في القرن الـ16 الميلادي.

سوق الحميدية.. قلب دمشق النابض

عند خروجك من التكية السليمانية واتجاهك غربًا، تصل إلى المدخل الرئيسي للمدينة القديمة عبر سوق الحميدية، أشهر أسواق دمشق وأحد أعرق الأسواق الإسلامية. يتميز السوق بسقفه المقبّب الذي يتخلله ضوء الشمس عبر ثقوبه، مما يضفي أجواءً شاعرية على المكان. في جانبيه، تصطف محالّ تعرض المشغولات الدمشقية الفاخرة، من البروكار الشامي الشهير إلى المصنوعات الخشبية المزخرفة والنحاسيات المذهبة.

لا تكتمل زيارة السوق دون التوقف عند “بوظة بكداش”، حيث يمكنك تذوق المثلجات الشامية الأشهر منذ عام 1885. ومن هناك، يمكنك المرور بحمام نور الدين الشهيد، أحد أقدم الحمامات الدمشقية، حيث تجربة الاسترخاء بأسلوب تقليدي يشمل التدليك والحمام البخاري.

الجامع الأموي.. درّة العمارة الإسلامية

مع خروجك من سوق الحميدية، ستجد نفسك أمام واحد من أعظم الإنجازات المعمارية في التاريخ الإسلامي، الجامع الأموي. هذا الصرح الفريد، الذي بناه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك في القرن الثامن الميلادي، يتميز بزخارفه الفسيفسائية المذهّبة، وأعمدته الرخامية، ومآذنه الثلاث الشهيرة.

إلى جانب كونه تحفة معمارية، يضم الجامع أماكن ذات أهمية تاريخية ودينية، مثل مقام النبي يحيى (يوحنا المعمدان)، ويُعتقد أن مئذنة النبي عيسى هي المكان الذي سينزل فيه المسيح عليه السلام وفق المعتقدات الإسلامية.

البيوت الدمشقية.. جمالية العمارة الشرقية

للتعرف على نمط الحياة الدمشقي الأصيل، لا بد من زيارة أحد البيوت التقليدية في المدينة القديمة، مثل “قصر العظم”، الذي يعود للقرن الـ18، أو “مكتب عنبر”، أحد أجمل المنازل الدمشقية في حارة اليهود. تتميز هذه المنازل بفنها العمراني الفريد، حيث الأفنية الداخلية الواسعة، والأحواض المائية، وأشجار الياسمين والليمون التي تملأ المكان بعطرها الفريد.

الشارع المستقيم.. معرض مفتوح للتاريخ

ختام جولتك سيكون في الشارع المستقيم، الذي يمتد من سوق مدحت باشا غربًا إلى باب شرقي شرقًا. هذا الشارع، الذي كان جزءًا من الطريق الروماني القديم، يضم معالم أثرية متنوعة، من كنيسة القديس بولس إلى قوس جوبتير الروماني. في نهايته، ستجد مشهدًا حضاريًا نادرًا، حيث تتجاور المئذنة البيضاء لكنيسة المريمية مع قوس الإله جوبتير، في صورة تعكس التنوّع والتعايش الذي ميّز دمشق عبر العصور.

دمشق.. مدينة لا تُنسى

رحلة واحدة في دمشق كفيلة بأن تملأ قلبك بالدهشة والإعجاب، فكل زاوية فيها تحكي قصة، وكل حجر فيها يحمل بصمات الزمن. إنها ليست مجرد مدينة، بل متحف حيّ مفتوح، يجعل زواره جزءًا من رواية ممتدة عبر التاريخ، رواية لا تنتهي صفحاتها، بل تُعاد قراءتها مع كل زيارة جديدة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News