يستعد العراق لمرحلة جديدة من التطوير الحضري من خلال إعادة تأهيل شارع الرشيد، أحد أعرق وأقدم شوارع العاصمة بغداد، وذلك ضمن المرحلة الثالثة من مبادرة “نبض بغداد”. ويأتي هذا المشروع بالتزامن مع إعلان بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، في خطوة تهدف إلى استعادة الوجه الحضاري المشرق للعاصمة العراقية وتطوير معالمها التراثية الأكثر شهرة.
شارع الرشيد.. تراث خالد ونافذة على التاريخ
يُعد شارع الرشيد الشريان الرئيسي للعاصمة بغداد وأحد أبرز الشواهد الحية على تاريخ المدينة العريق. منذ تأسيسه عام 1916 خلال فترة الحكم العثماني، شكل الشارع نقطة التقاء ثقافي واقتصادي واجتماعي، حيث احتضن العديد من المؤسسات والفعاليات التي رسمت ملامح العراق الحديث.
يتميز الشارع بأبنيته التراثية التي تعكس فنون العمارة الإسلامية والكلاسيكية، مثل مقهى الزهاوي ومقهى حسن عجمي، التي كانت ملتقى الأدباء والشعراء والمفكرين، بالإضافة إلى جامع الحيدر خانة الذي يُعتبر معلمًا دينيًا وتاريخيًا بارزًا.
رؤية تطويرية تعزز السياحة والاقتصاد
خلال اجتماع خاص بمشروع إعادة التأهيل، شدّد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على ضرورة أن تعكس عملية التطوير الوجه الحضاري لمدينة بغداد وتستعيد مكانتها التاريخية. وأكد على أهمية توفير كافة الخدمات الأساسية للسائحين والزوار بما يعزز النشاط السياحي والاقتصادي في آن واحد.
وفي هذا السياق، صرّح وديع الحنظل، رئيس رابطة المصارف الخاصة العراقية، بأن إعادة تأهيل شارع الرشيد ستعيد إحياء دوره كوجهة ثقافية وسياحية نابضة بالحياة. وأضاف أن الشارع يعتبر ذاكرة حية تعكس الحضارة العراقية ونافذة مفتوحة على تاريخ بغداد، مؤكدًا أن المشروع سيسهم في تحسين صورة العراق عالميًا مع توافد السياح المنتظرين عام 2025.
تطوير شامل.. من ساحة الميدان إلى الرصافي
تتضمن المرحلة الثالثة من مشروع إعادة التأهيل تطوير منطقة ساحة الميدان وصولًا إلى ساحة الرصافي، مع التركيز على تحسين البنية التحتية وتزويد المنطقة بمرافق خدمية حديثة تلبي احتياجات السائحين. وتشمل الخطة ترميم المباني التراثية التاريخية، وإعادة تأهيل الشوارع والأزقة بما يواكب المعايير السياحية العالمية.
ووفقًا للتوقعات، من شأن هذه الجهود أن تسهم في تحفيز الحركة السياحية داخل بغداد، وجذب مزيد من الزوار لاستكشاف معالم العاصمة القديمة، التي تضم بين جنباتها مزيجًا فريدًا من التراث والثقافة والفنون.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية
إعادة تأهيل شارع الرشيد ليست مجرد خطوة عمرانية فحسب، بل تُعد عاملًا رئيسيًا لتحفيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل لأبناء بغداد. كما تتيح هذه المشاريع الفرصة أمام الفنانين والمبدعين لإعادة إحياء الشارع كمنصة ثقافية مفتوحة تعرض فيها الفنون والفعاليات التراثية، ما يعزز من مكانة بغداد كوجهة حضارية متجددة.
مراحل سابقة ومشاريع ناجحة
يجدر بالذكر أن المرحلتين الأولى والثانية من مبادرة “نبض بغداد” شملتا إعادة تأهيل شارعي المتنبي والسراي، حيث أسهمت هذه المشاريع في عودة الحياة إلى منطقة بغداد القديمة التي كانت شبه مهجورة لعقود. واليوم، بات شارع المتنبي مركزًا ثقافيًا وسياحيًا بارزًا يستقطب الزوار من داخل العراق وخارجه.
نحو مستقبل سياحي مشرق
يعد مشروع إعادة تأهيل شارع الرشيد خطوة مهمة نحو استعادة هوية بغداد التراثية وتعزيز دورها كمدينة عالمية نابضة بالسياحة والثقافة. وبالتزامن مع الاستعداد لاستضافة السياح في عام 2025، تبدو بغداد ماضية بثقة نحو مستقبل يعكس أصالتها التاريخية وتطورها الحضاري.
إن إعادة الحياة إلى شارع الرشيد ليست مجرد إعادة ترميم لمبنى أو معلم، بل هي إحياء لذاكرة بغداد وتاريخها، وفرصة ثمينة لإعادة تقديم المدينة للعالم كواحدة من أعرق العواصم التي تحتفظ بسحرها وأصالتها رغم تعاقب الأزمان.