تواجه أشهر الوجهات السياحية العالمية، من روما الإيطالية إلى دوبروفنيك الكرواتية، أزمة متفاقمة بسبب الأعداد الهائلة من السائحين الذين يزورونها. وتتنوع التحديات التي تواجهها تلك المدن بين الازدحام الشديد وتكدس القمامة، وصولًا إلى الارتفاع غير المسبوق في أسعار الإيجارات، ما يؤثر سلبًا على جودة حياة السكان المحليين.
في إطار البحث عن حلول مبتكرة لهذه الأزمة، لجأت مدينة فينيسيا الإيطالية إلى تطبيق رسوم دخول تجريبية للزوار خلال ساعات النهار. فبعد تجربة امتدت 29 يومًا، قررت المدينة الاستمرار بفرض هذه الرسوم حتى عام 2025، وسط ترقب من مدن أخرى قد تحذو حذوها.
حلول مشابهة في مدن أوروبية أخرى
لم تكن فينيسيا الوحيدة التي اتخذت إجراءات مماثلة، فمدينة إشبيلية الإسبانية أعلنت مؤخرًا نيتها فرض رسوم على السياح الراغبين بزيارة معلمها الشهير بلازا دي إيسبانا، بينما تعتزم اليونان فرض رسوم دخول على السفن السياحية التي تزور جزرها ابتداءً من العام المقبل.
يرى المسؤولون أن هذه الرسوم قد تكون خطوة عملية نحو التخفيف من التأثيرات السلبية للسياحة المفرطة، بما في ذلك تهدئة غضب السكان المحليين الذين خرجوا في مظاهرات حاشدة مؤخرًا في عدة مدن إسبانية، مثل جزر الكناري ومايوركا.
الرسوم بين الحلول الاقتصادية وتقييد الحشود
يؤكد الخبير السياحي والأستاذ الجامعي كريستيان لايسر أن فرض الرسوم قد يكون جزءًا من الحل إذا تم توجيه العائدات المالية بشكل مباشر لخدمة المجتمعات المحلية. ومع ذلك، يشير إلى أن هناك طرقًا أخرى للتعامل مع المشكلة، مثل:
- إدارة الحشود عبر تخصيص حصة يومية من الزوار.
- نظام الحجز المسبق الذي يتيح للسياح تخطيط رحلاتهم مع ضمان عدم اكتظاظ المواقع السياحية.
وفي هذا السياق، يُطرح تساؤل رئيسي: هل تهدف هذه الرسوم إلى تحصيل الأموال أم إلى تقليل أعداد السائحين؟ يوضح لايسر أن الإجابة تعتمد على قيمة الرسوم نفسها ومدى تقييد الوصول إلى تلك الأماكن.
السكان المحليون والسياحة المفرطة
تتعدى الأزمة الاقتصادية والسياحية إلى أبعاد اجتماعية أعمق؛ إذ يشعر السكان المحليون بأنهم يقدمون تضحيات كبيرة مقابل استفادة اقتصادية محدودة تعود بالنفع على قلة قليلة. وتبرز هنا الحاجة إلى إيجاد توازن يحقق مصالح جميع الأطراف.
يضيف لايسر أن توزيع الأموال المتحصلة من الرسوم بشكل مباشر على المجتمعات المحلية قد يغيّر من منظور السكان تجاه السياحة، كما هو الحال في تجربة فينيسيا، حيث يسعى القائمون على المشروع إلى استخدام الإيرادات في تحسين البنية التحتية والخدمات المقدمة للمدينة.
مستقبل السياحة: رؤية متوازنة
من المتوقع أن تتبنى مدن أخرى حول العالم حلولًا مشابهة، سواء عبر فرض رسوم دخول أو تنظيم الحشود، خصوصًا مع استمرار النمو الكبير في أعداد السائحين حول العالم نتيجة انتشار شركات الطيران منخفض التكلفة وازدهار منصات تأجير المنازل.
ختامًا، يمكن القول إن الأزمة الحالية تتطلب حلولًا شاملة تجمع بين الإدارة الحكيمة للسياحة والاهتمام بحقوق السكان المحليين. ففرض الرسوم هو خطوة أولى، لكن النجاح الحقيقي يكمن في تحقيق توازن مستدام يضمن الحفاظ على الوجهات السياحية دون التضحية برفاهية مجتمعاتها.