وسط أجواء يلفّها عبق التاريخ وذكريات المجد العباسي، تقف بغداد شامخة كإحدى أعرق المدن في العالم العربي. تمتد أروقة الماضي على ضفاف نهر دجلة، حيث تحكي الشواهد التاريخية قصة حضارة عظيمة تركت بصمتها على العمارة والفنون والثقافة.
جولة المعمار العباسي: بوابة نحو الماضي
تحت ظلال البوابات التاريخية والسقوف المزخرفة بدقة هندسية، نظّم “نادي المعماريين الشباب” جولة فريدة تهدف إلى تسليط الضوء على التراث العباسي في بغداد. أحد أبرز معالم الجولة كان القصر العباسي الذي يتجاوز عمره 800 عام. القصر بأروقته الواسعة وسقفه المنقوش بأشكال هندسية بديعة يعكس إبداع الحرفيين في تلك الحقبة.
إضافة إلى ذلك، شكّلت بوابة “الباب الوسطاني”، التي بُنيت في القرن الـ12، محطة مهمة. هنا، تحت قبة مشيّدة من حجر اللبنة، روى الأستاذ موفق الطائي (83 عاماً) للزوار تاريخ بغداد وكيف صمدت أسوارها أمام المغول. الطائي أوضح أن بناء السور استغرق 130 عاماً، وهو رمز لحقبة زاخرة بالقوة والابتكار.
إحياء بغداد: بين التحديات والطموحات
مع استقرار الأوضاع الأمنية، عادت جهود إعادة الإعمار والترميم إلى الواجهة. المشاريع شملت ترميم شارع المتنبي، أيقونة الثقافة العراقية، وشارع السراي الذي يعود إلى القرن التاسع عشر. تضمنت عمليات الترميم إعادة رصف الشوارع، إصلاح الإنارة، وترميم الواجهات الزخرفية.
شارع الرشيد: روح بغداد القديمة
شارع الرشيد، الذي افتتح عام 1916، يُعتبر الشريان التاريخي للمدينة. رغم تدهور حالته مع مرور الزمن، تسعى أمانة بغداد إلى إعادته إلى سابق عهده من خلال مشاريع طموحة تهدف إلى تحويله إلى مركز ثقافي ينبض بالحياة.
المهندس محمد الربيعي، مسؤول العلاقات في أمانة بغداد، وصف الشارع بأنه “روح بغداد القديمة”. وأوضح أن المرحلة المقبلة تتطلب تمويلاً كبيراً، إلى جانب التغلب على تحديات قانونية مرتبطة بملكية المباني.
التراث كعامل جذب سياحي
تُدرك السلطات أهمية الحفاظ على التراث كأداة لتعزيز الهوية الوطنية وجذب السياح. ويرى المهندس الطائي أن هذا التراث ليس مجرد شواهد صامتة، بل هو جزء من الهوية العراقية وروحها، ما يجعل الجهود المبذولة لإحيائه ضرورة اقتصادية وثقافية.
بغداد تستعيد ألقها
في الوقت الذي تعمل فيه بغداد على استعادة إرثها العباسي ورونقها التراثي، يبدو أن المدينة تسير نحو مستقبل يجمع بين عراقة الماضي وابتكارات الحاضر. هذه المشاريع ليست مجرد محاولات ترميم، بل خطوات نحو إحياء الروح التي جعلت من بغداد يوماً ما عاصمة العالم الإسلامي وعنواناً للعلم والثقافة.