نورستان: أرض النور الأفغانية وقبائلها العريقة بين التاريخ والجمال الطبيعي

Waleed18 ديسمبر 2024آخر تحديث :
نورستان: أرض النور الأفغانية وقبائلها العريقة بين التاريخ والجمال الطبيعي

تُعد نورستان، الولاية الأفغانية الساحرة، إحدى أكثر المناطق خصوصية في تاريخ وثقافة أفغانستان. عُرفت قديمًا باسم “كافرستان” قبل أن يفتحها الأمير عبد الرحمن خان منذ أقل من 150 عامًا ويدخل أهلها الإسلام، لتتحول إلى “نورستان” وتعني أرض النور. بفضل موقعها الجغرافي الصعب ومرتفعاتها الشاهقة، نجت هذه المنطقة من محاولات الغزو المتكررة على مر العصور، لتُصبح رمزًا للصمود والأصالة.

تاريخ عريق وصمود لا يلين

تاريخ نورستان حافل بالقصص الملحمية التي تُبرز بأس وشدة سكانها في مواجهة الغزاة. يُقال إن الإسكندر المقدوني عجز عن تجاوز تخومها، فيما هُزم القائد تيمورلنك هزيمة نكراء على أرضها. وحتى في العصر الحديث، أثناء الاجتياح الروسي والاحتلال الأمريكي، كانت نورستان أولى الولايات التي ثارت دفاعًا عن أرضها وكرامتها. ليس غريبًا إذًا أن يصف الجنود الأمريكيون نورستان بأنها “المكان الأخطر على وجه الأرض”.

يقول محمد عَلَم، وهو أحد سكان نورستان، بفخر: “بقينا بعيدين عن تأثيرات الغزاة حتى قبل الإسلام، وحينما أراد الله لنا الهداية دخلنا في دينه، واليوم نحن من أكثر القبائل الأفغانية تمسكًا بتعاليم الإسلام”.

الطبيعة الساحرة: “سويسرا أفغانستان”

تُوصف نورستان بـ”سويسرا أفغانستان” بسبب جمال طبيعتها الأخّاذ. فالمنطقة مغطاة بالكامل بغابات كثيفة تُزين سلاسل جبال الهندكوش الشاهقة، بينما تتدفق الأنهار الغزيرة بين الصخور، وتتفجر ينابيع الماء العذبة من قلب الجبال. تُعد نورستان وجهة فريدة لعشاق الطبيعة والمغامرة، خصوصًا أنها ما زالت تحتفظ بصفاء بيئي بعيد عن التلوث والتطور العمراني.

السكان: قبائل النورستان وملامحهم الأوروبية

من أبرز ما يميز النورستانيين ملامحهم الأوروبية، حيث تغلب عليهم العيون الزرقاء والشعر الأحمر والطول الفارع. ويُرجّح العلماء أن هذه الصفات تعود إلى أصولهم الآرية، التي ترتبط بالقبائل الأوروبية القديمة، أو ربما بوجود جنود الإسكندر المقدوني الذين استوطنوا تلك المنطقة في الأزمنة الغابرة.

يعيش سكان نورستان حياة بسيطة وسط بيئة جبلية قاسية، حيث تُبنى الأكواخ الخشبية المميزة على ارتفاعات شاهقة، لتبدو وكأنها مُعلّقة بين السماء والأرض.

دور المرأة النورستانية

تتولى النساء النورستانيات مهامًا شاقة خارج وداخل المنزل، في مشهد يختلف عن بقية المناطق الأفغانية. فهن يحرثن الأرض، يرعين الماشية، ويقمن بجمع الحطب إلى جانب تربية الأبناء وأعمال المنزل. ورغم قسوة هذه الأدوار، يُحظر على الرجال الاقتراب من أماكن عمل النساء، وتُفرض غرامات على من يخالف ذلك، في مثال فريد على الحماية الاجتماعية للمرأة.

الإرث الصناعي والفني

يُشتهر سكان نورستان بالصناعات اليدوية الخشبية، التي تُعتبر جزءًا من تراثهم العريق. الأواني الخشبية والأدوات المنزلية المصنوعة بدقة وجودة عالية تُعد مطلبًا للكثير من الأفغان الذين يتباهون باقتنائها. كما تنتشر بقايا مصانع الخمر التقليدية المهجورة، التي تعود إلى الحقبة الوثنية، لتُصبح اليوم شاهدًا على تحوّل تاريخي وثقافي بعد دخول الإسلام.

يقول محمد أفضل، أحد الحرفيين المحليين: “تراثنا الخشبي مصدر فخر لنا، وهو ما يُميزنا عن بقية سكان أفغانستان”.

التحديات والمستقبل

رغم ما تتمتع به نورستان من تاريخ مجيد وجمال طبيعي، إلا أن سكانها يعانون من فقر شديد وغياب المرافق الأساسية من صحة وتعليم. ولم يحظَ النورستانيون حتى الآن بالتمثيل الكافي في الحكومة، رغم وصول بعضهم لمناصب رفيعة في السابق.

وفي زيارة أخيرة، وعد نائب وزير الخارجية مولوي عبد الكبير بتحقيق مطالب سكان نورستان وتحويل الولاية إلى مركز سياحي مميز، لما تمتلكه من مقومات طبيعية وتاريخية استثنائية.

نورستان: وجهة سياحية واعدة

في ظل التوجه الحكومي نحو تنشيط السياحة، تُعد نورستان بمثابة الكنز المكنون الذي ينتظر الاستكشاف. من جبالها الشاهقة وبيئتها البكر إلى تراثها الثقافي العريق، تقدم نورستان فرصة فريدة للمسافرين الراغبين في تجربة استثنائية تجمع بين التاريخ والجمال.

ختامًا، تبقى نورستان شاهدًا حيًا على عظمة الطبيعة وبسالة الإنسان، ومصدر إلهام لكل من يتطلع لاكتشاف سحر التاريخ في قلب جبال الهندكوش.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة