في قلب إفريقيا النابض، وتحديدًا في أقصى جنوب غرب رواندا، حيث يتربع منتزه “نيونغوي الوطني” الشهير، نجد أنفسنا في حضرة لوحة طبيعية تكتمل فيها روعة المناظر الخضراء مع عرق الجهد الإنساني، الذي حول الأراضي المتموجة إلى واحدة من أبرز مزارع الشاي في البلاد. إنها قصة نجاح مبهرة لرواندا، التي اكتسبت لقب “بلد الألف تل” بفضل طبيعتها الجغرافية الساحرة وتنوع أنشطتها الاقتصادية.
قطف الشاي: مهارة ودقة
في تلك المزارع الشاسعة، تتبع شركة “مواغا-جيساكورا” نظمًا تقليدية وحديثة في آن واحد، حيث تتسابق النسوة في سباق الزمن لقطف الأوراق الخضراء الطازجة. بسرعة ودقة، تجمع العاملات المحصول في سلال مصنوعة من القصب، محمولة بإحكام على ظهورهن.
ما أن تمتلئ السلال، يتم نقل الأوراق إلى وجهتين رئيسيتين:
- المصانع التقليدية، حيث تبدأ عملية إنتاج الشاي الأخضر عبر هرس الأوراق وتجفيفها باستخدام أدوات صديقة للبيئة.
- مصنع جيساكورا، الذي يتولى إنتاج الشاي الأسود، معتمدًا على درجات عالية من النقاء والجودة، ليتم تصديره لاحقًا إلى مزادات عالمية في كينيا وأوروبا.
تُعتبر هذه العملية مصدر دخل ثابت لآلاف العاملات اللواتي يعملن ستة أيام في الأسبوع، حيث يتم احتساب الأجور بناءً على كميات الأوراق المقطوفة، بإشراف تعاونيات محلية تهدف إلى تنظيم سوق الشاي ودعم الاستدامة الاجتماعية.
صناعة الشاي: رحلة عبر الزمن
في تجربة فريدة، تسمح بعض المؤسسات مثل مؤسسة إيفومو للزوار بمشاهدة عملية إنتاج الشاي الأخضر التقليدي عن قرب. تبدأ الرحلة بعملية الهرس اليدوي داخل مهراس خشبي، ثم يتم نشر الأوراق على أطباق للتجفيف الطبيعي، مما يمنحها نكهة أصيلة لا تضاهى.
ولعشاق الشاي، تقدم المؤسسة جلسات تذوق تفاعلية لعدة أصناف مميزة من الشاي الرواندي، مثل:
- الشاي الأخضر التقليدي
- الشاي الأبيض النقي
- الشاي العضوي
هذه التجارب لا تُعتبر مجرد فرصة لتذوق الشاي، بل هي نافذة لاستكشاف تاريخ صناعة الشاي في رواندا، الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي وتحول اليوم إلى أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.
اقتصاد الشاي في رواندا: قصة نجاح مستدامة
تغطي زراعة الشاي نحو 33 ألف هكتار من الأراضي الرواندية، خصوصًا في المقاطعات الجنوبية والغربية. وتعمل 23 تعاونية زراعية على إنتاج الشاي بمشاركة ما يقارب 50 ألف مزارع.
بحسب الإحصائيات الرسمية، ارتفع إنتاج الشاي المصنع في رواندا من 6 آلاف طن في ثمانينيات القرن الماضي إلى أكثر من 40 ألف طن اليوم. وتصل العائدات الاقتصادية إلى نحو 115 مليون دولار سنويًا، مما يعزز مكانة الشاي الرواندي عالميًا.
تسعى رواندا من خلال التدريب والتنظيم إلى تطوير عمليات الإنتاج والتسويق، بهدف تحقيق قيمة مضافة أكبر لهذا المنتج الاستراتيجي.
السياحة الزراعية: تجربة استثنائية
لا تقتصر أهمية مزارع الشاي على الجانب الاقتصادي، بل تتعداه لتصبح وجهة مثالية لعشاق الطبيعة ومحبي المغامرة. تقوم مؤسسات مثل إيفومو بتنظيم نشاطات سياحية وسط المزارع، تشمل:
- المشي لمسافات طويلة
- ركوب الدراجات الجبلية
- ورش عمل تفاعلية عن زراعة وصناعة الشاي
يقول أناكليت كارانغوا، المدير التنفيذي لمؤسسة إيفومو: “إن تعزيز السياحة الزراعية يساهم بشكل كبير في تحسين سبل العيش للأسر المحلية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الموروث الثقافي للمنطقة.”
رواندا: وجهة سياحية خضراء
تجربة زيارة مزارع الشاي في رواندا ليست مجرد رحلة سياحية، بل هي مغامرة تتيح لك فرصة التأمل في روعة الطبيعة، واكتشاف تفاصيل الحياة اليومية للمزارعين والعاملين الذين يساهمون في إنتاج واحد من أجود أنواع الشاي في العالم.
خرجنا من بين أحضان تلك المزارع الخضراء برائحة الشاي العطرة، لنواصل طريقنا بحثًا عن المزيد من التجارب الفريدة التي تروي حكاية رواندا الجميلة؛ بلد الألف تل، وأرض الإنجازات الخضراء.