السميت في إسطنبول: قصة عشق عثمانية بنكهة التاريخ والحاضر

Waleed14 ديسمبر 2024آخر تحديث :
السميت في إسطنبول: قصة عشق عثمانية بنكهة التاريخ والحاضر

مدينة إسطنبول، تلك المدينة التاريخية التي تتربع على عرش الحضارة بين الشرق والغرب، لا تزال تعيش على إيقاع حياة متجددة نابضة بالحيوية والجمال. بين أزقتها وشوارعها، يبرز “بائع السميت”، الذي يحمل على كتفيه عبق الماضي العثماني ونكهة الحاضر المعاصر، في مشهد يومي يرسخ ارتباط الأتراك بتراثهم العريق.

السميت.. خبز التاريخ بين يديك

ليس السميت مجرد خبز عادي؛ فهو رمز لأصالة المطبخ التركي وحكاية من حكايات إسطنبول، حيث تعود أصوله إلى الإمبراطورية العثمانية. يتميز السميت بشكله الدائري المغطى بالسمسم المحمص، الذي يُضاف إليه الدبس ليمنحه ذلك اللون الذهبي الرائع. كتب عنه الرحالة العثماني أوليا جلبي في القرن السابع عشر، مشيرًا إلى أن المدينة كانت تضم 70 مخبزًا متخصصًا في إنتاجه آنذاك.

في إسطنبول اليوم، ما زالت رائحة السميت الطازج تعبق أجواء الصباح، ويجوب باعته الجائلون الأحياء والأسواق حاملين صوانيهم التقليدية، في مشهد يحاكي الماضي بجماله وبساطته، حيث يرددون نغمتهم الشهيرة “سميت! سميت!” ليُغْروا المارة بتلك اللقمة الأصيلة التي تُرافقها غالبًا أكواب الشاي الساخن.

السميت والاقتصاد التركي

إلى جانب كونه رمزًا للتراث، يُعتبر السميت جزءًا لا يتجزأ من الحياة الاقتصادية اليومية في تركيا. تشير الإحصائيات إلى استهلاك الأتراك أكثر من 2.5 مليون قطعة سميت يوميًا في إسطنبول وحدها. ومع ذلك، فقد أثرت ظروف التضخم الاقتصادي الأخيرة على سعره، ليصل سعر القطعة الواحدة إلى 10 أو 15 ليرة، بعد أن كانت تُباع بليرة واحدة فقط.

ورغم هذه التحديات، يبقى بائع السميت أحد أهم معالم شوارع إسطنبول، يجسد مرونة وقوة العمل الجاد، حيث يعملون في طقس قاسٍ قد تصل فيه ساعات العمل إلى 12 ساعة يوميًا، وخاصة في فصل الشتاء.

السياحة والسميت.. تجربة لا تُنسى

لا تكتمل زيارة إسطنبول دون تجربة السميت من بائع الشارع، فهو ليس مجرد طعام، بل جزء من نسيج المدينة الثقافي والاجتماعي. في حي إمينونو، يمكن للزوار مشاهدة تمثال بائع السميت الشهير، الذي يخلّد ذكراه كأحد رموز الحياة اليومية التركية.

هذه التجربة لا تقتصر على تناول خبز طازج بنكهة السمسم، بل هي فرصة للتواصل مع ماضي المدينة العريق، حيث يتلاقى عبق التاريخ مع إيقاع الحياة اليومية المزدحمة.

السميت في إسطنبول هو أكثر من مجرد وجبة سريعة؛ إنه حكاية عشق لا تنتهي بين الأتراك وماضيهم. تلك اللقمة الذهبية تجسد تاريخًا حيًا تُروى قصصه كل يوم بين أيدي الباعة الجائلين وفي شوارع المدينة الصاخبة، لتظل رمزًا للأصالة والتراث العثماني العريق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة