لا تكتمل زيارة إسطنبول دون المرور بـ”البازار الكبير” أو “كابالي شارشيه”، أحد أقدم وأشهر الأسواق في تركيا، وواحد من أكبر الأسواق المغطاة على مستوى العالم. هذا السوق التاريخي ليس مجرد مكان للتسوق، بل هو تجربة تنقلك إلى حقبة زمنية مميزة تحمل في طياتها عبق التاريخ وروعة الثقافة العثمانية.
وصف الشاعر الروسي جوزيف برودسكي، الحائز على جائزة نوبل في الأدب، هذا السوق بأنه “قلب ودماغ وروح إسطنبول”، مما يعكس أهميته كمعلم بارز يستقطب ملايين الزوار سنويًا من داخل تركيا وخارجها.
تاريخ عريق ومعمار فريد
تأسس البازار الكبير في القرن الـ15 بأمر من السلطان محمد الفاتح عقب فتح القسطنطينية عام 1453، ليصبح مركزًا للتجارة وجزءًا من النهضة الاقتصادية في المدينة. بدأ السوق كهيكل خشبي صغير، لكن سرعان ما تطور ليصبح سوقًا ضخمًا مشيدًا بالطوب والحجارة، ويتميز بأسقفه المزخرفة بالنقوش الهندسية الفريدة.
مع مرور الوقت، تمت تغطيته بالكامل لحماية الزوار من التقلبات الجوية، مع فتحات صغيرة في السقف لتوفير الإضاءة الطبيعية والتهوية.
موقع استراتيجي ومساحة شاسعة
يقع البازار الكبير داخل أسوار المدينة القديمة بمنطقة الفاتح، ويغطي مساحة تتجاوز 30 ألف متر مربع. يتضمن السوق 18 مدخلًا رئيسيًا أبرزها باب جامع نور عثمانية المزخرف بشعار الدولة العثمانية.
أنشطة متنوعة
يضم السوق أكثر من 60 شارعًا تُنسب أسماؤها للحرف أو الأنشطة التي تشتهر بها، مثل سوق الذهب، سوق الفضة، وسوق النحاس. يوجد بداخله نحو 6 آلاف متجر تعمل بها أكثر من 26 ألف عامل، ما يجعله مركزًا تجاريًا ينبض بالحياة.
سوق الذهب: قلب الاقتصاد المحلي
يعد سوق الذهب أبرز وجهات السوق الكبير، حيث يضم نحو 400 متجر لبيع الذهب والمجوهرات. ارتبط السوق منذ العهد العثماني بدور اقتصادي محوري، كونه مركزًا لتحديد أسعار الذهب والصرف.
الذهب في تركيا لا يُعتبر فقط زينة، بل عنصرًا أساسيًا في الاستثمار وحماية المدخرات. ولأن الذهب غالبًا ما يتم تداوله بالدولار، يتأثر سعره بسعر صرف الليرة التركية، ما يعكس الترابط بين أسواق العملات والذهب داخل هذا السوق العريق.
الحفاظ على الإرث التاريخي
رغم تعرض السوق للعديد من الكوارث، مثل الزلازل والحرائق، إلا أن الجهود المبذولة من قبل جمعية “البازار الكبير” التي تأسست عام 1950 أسهمت في الحفاظ عليه. تم تعزيز بنيته التحتية وإضافة أنظمة أمان حديثة لضمان سلامة الزوار.
يُعد البازار الكبير أكثر من مجرد سوق؛ فهو نافذة على تاريخ وثقافة إسطنبول، ووجهة ساحرة تجمع بين التسوق والتراث. إذا كنت في إسطنبول، فلا تفوت زيارة هذا المعلم الفريد والاستمتاع بتجربة تنقلك إلى عصور مضت.